أحببت ان أطرح هذا الموضوع لكثرة ما أرى من أناس متشددين في الدين وآخرين متسيبين فيه
فهل نستطيع ان نكون أمة وسطاً كما قال الله تعالى :"
وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس"- سورة البقرة

فالوسطية في الإسلام ركن أساسي لحفظ صحة الفرد والمجتمع وفي التفسير المنير :"وسطاً " الوسط منتصف الشيء إذ كل صفة محمودة هي وسط بين الطرفين " الإفراط والتفريط " والفضيلة في الوسط

والمسلمين هم خيار الأمم وقد أُمروا بالوسط في الأمور كلها بلا إفراط ولا تفريط في شأن الدين و الدنيا وبلا غلو لديهم في دينهم,ولا تقصير منهم في واجباتهم.
وجمعوا بين الحقين حق الروح وحق الجسد ولم يهملوا أي جانب منهما تمشياً مع الفطرة الإنسانية القائمة على أن الانسان جسد وروح وكانوا سباقين للأمم جميعاً بالاعتدال والتوسط في جميع الشؤون
والتوسط هو منتهى الكمال الإنساني الذي يعطي كل ذي حق حقه
قال تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "- سورة البقرة.
وقال: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " سورة طه.

فالاسلام دين السماحة والاعتدال , فهو يذم الإفراط وينكر التفريط وقد أوصى كل إنسان بنفسه رفقاً وأمره ألا يفرط في حقها حتى ولو كان الأمر في زيادة الطاعات:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق "

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن هذا الدين يسر ولن يشادد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا " رواه البخاري.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" هلك المتنطعون " رواه مسلم, والمتنطعون : المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد.

أرأيت إلى الذي يشق عليه القيام في الصلاة كيف سمح له المشرع أن يصلي قاعداً , وإلى من يشق عليه الصيام أن يفطر , لمرض أو سفر , وإلى من يؤذه الماء أن يتيمم .

عليك الصلاة والسلام يا نبي الرحمة فقد علمت بنور الوحي طاقة هذا الإنسان , علمك من خلقه وصوره فكانت التعاليم التي أتيت بها لحفظ صحته وصون نفسه عما يتعسها ويسيء إليها . فمن جاوز الإعتدال ركب الخطأ .

والطب يؤيد الاعتدال فمن أهمل أو أفرط وناله المرض والسقم فما ذلك إلا من جهله وغلُوُه في دينه بما لا يرضاه مولاه.

فالطالب الذي يصل الليل بالنهار إذا قرب امتحانه , يتحمل ذلك الإرهاق أياماً ثم لا يلبث أن تضعف أعصابه وينهك بدنه ويقعده المرض .
والذي يفرط في تناول الطعام حتى يكتنز من اللحم والشحم , يلقي على جسمه أثقالاً تنوء بها أعضاؤه فتضطرب أجهزته ويصاب بالأسقام.

وإذا كان الإسراف في العبادة إفراطاً , كما عده رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم , فكيف بمن يسرف في الشهوات؟؟
وحتى في الإنفاق فإن الشارع الرحيم يعلمنا أدبه وكيفيته . قال تعالى: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً " .


فلنقف إخوتي المؤمنين عند أوامر ربنا بالامتثال والانقياد وعند نواهيه بالاجتناب نكن من العابدين , ونضيف إليها من النوافل قدر طاقتنا نكن من القانتين ونعط كل ذي حق حقه نكن ملتزمين بسنة سيد المرسلين , ونفوز بالنتيجة بحفظ أنفسنا وصحة أجسادنا التي امر الله بالحفاظ عليها .


مرجع البحث:
روائع الطب الإسلامي
العبادات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع
للدكتور : محمد نزار الدقر